خاص - "الصحيفة" تنفرد بكشف تفاصيل "المُكالمة الصعبة" بين وزير الخارجية المغربي ونظيره السعودي حول عودة سوريا إلى الجامعة العربية
منذ مصالحتها مع إيران، تقود المملكة العربية السعودية، مساع حثيثة تعبّد الطريق أمام النظام السوري للعودة إلى الجامعة العربية وبالتالي فك عزلتها الإقليمية، وهي المساعي التي صدّها المغرب حتى الآن، رافضا خطوة التطبيع مع النظام السوري في غياب ضمانات واضحة والتزامات تبقي سيادته الكاملة واستقرار فوق اعتبارات التشويش الممنهج.
وتزامناً مع إعادة بعض الدول لعلاقاتها مع النظام السوري، بما فيها الدول المغاربية جميعها باستثناء المغرب، وجّهت السعودية في سياق صفقتها مع إيران دعوة لسوريا، من أجل حضور قمة جامعة الدول العربية التي تستضيفها جدة في 19 ماي المقبل، وبالتالي إصلاح ذات البين والخلاف الذي طال أمده بين الدول الأعضاء لزهاء عقد من الزمن، وإضفاء الشرعية على تطبيع العلاقات مع نظام بشار الأسد وإخراجه من عزلته الإقليمية.
ولا يبدو المغرب متحمّسا لفكرة المصالحة مع النظام السوري حتى الآن، بحسب ما أكدته مصادر "الصحيفة" من الجانبين الحكوميين المغربي والسوري، خاصة وأن قنوات التواصل بين المملكة ونظام بشار الأسد منعدمة منذ إغلاق سفارة البلدين في كل من دمشق والرباط.
ودخول السعودية كطرف ثالث لتقريب وجهات النظر بين المغرب وسوريا، لم يخرج بأي نتيجة مرضية، بحسب ما كشفه مصدر دبلوماسي سعودي لـ "الصحيفة"، وصف المكالمة الهاتفية بين فيصل بن فرحان وناصر بوريطة بـ "الصعبة".
وأوضح الدبلوماسي السعودي الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، أن المكالمة التي جمعت بين وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان بن عبد الله آل سعود مع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، كانت "صعبة" بخصوص احتمال عودة سوريا إلى الجامعة العربية ولم ترسو على بر قرار.
وبحسب ما كشفه مصدرنا الدبلوماسي، فقد اقترح وزير خارجية السعودية على ناصر بوريطة موافقة المغرب على عودة سوريا إلى الجامعة العربية في قمة الرياض المقرر انعقادها شهر ماي المقبل، وهو ما قابله بوريطة برد صارم أوضح من خلاله أن أسباب تجميد عضوية سوريا من الجامعة العربية "لم تنتف بعد".
ولم يكتف بوريطة، ضمن المكالمة الهاتفية بما سبق، بل بسط أمام وزير الخارجية السعودية جملة من التحرشات التي يقوم بها النظام السوري في قضية الوحدة الترابية للمغرب وعلاقته بإيران وحزب الله.
من جانبه، حاول المسؤول الحكومي السعودي، تليين الموقف المغربي الصارم، مقترحا أن تكون المملكة العربية السعودية هي الضامن لعدم تماهي النظام السوري في التحرش بالوحدة الترابية للمغرب، غير أن المسؤول الحكومي المغربي ناصر بوريطة اعتبر أن ضمانة السعودية "غير كافية".
وفي ختام المكالمة، لم تصل المجهودات السعودية إلى النتيجة الواضحة والشافية التي كانت تصبوها من خلال استمالة الموقف المغربي لتعبيد الطريق أمام النظام السوري من أجل فك عزلته.
وعلى إثر ذلك، أكد المصدر الدبلوماسي السعودي لـ "الصحيفة"، أن رئيس الدبلوماسية السعودية، لم يحصل من المغرب في شخص وزير الخارجية ناصر بوريطة، على أي ضمانات على الموافقة على عودة سوريا للجامعة العربية، وهو ما أكده مصدر خليجي ثالث للموقع.
وكانت صحيفة "وول ستريت جورنال"، قد نقلت عن مسؤولين عرب أن خمسة أعضاء على الأقل من جامعة الدول العربية، بما فيهم الكويت وقطر، والمغرب رفضوا إعادة انضمام سوريا إلى المجموعة، إلا بشروط من بينها الشرط المغربي القاضي بإنهاء الأسد دعمه لجبهة البوليساريو الانفصالية والمهددة لسيادة المملكة على أراضيها.
وفي هذا الصدد، أجرى وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة، أمس الجمعة، مباحثات هاتفية مع الأمير فيصل بن فرحان بن عبدالله وزير الخارجية السعودي، تناولا على إثرها العلاقات الثنائية والتطورات على الساحتين الإقليمية والدولية.
واللافت في موضوع المباحثات التي أجريت بين الطرفين، أن وزارة الخارجية المغربية لم تُصدر حتى الآن أي بلاغ حول الموضوع، فيما اكتفت وكالة المغرب العربي للأنباء بنقل الخبر عن نظيرتها في المملكة العربية السعودية، موردة أن الجانبان تطرّقا بحسب ذات المصدر إلى "جهود البلدين في دعم مسيرة العمل العربي المشترك، بما يعزز الاستقرار والازدهار لدول وشعوب المنطقة العربية".
وعدم تفاعل وزارة الخارجية المغربية مع الاتصال يؤكد من جهة ثانية، تمسّك المملكة بموقفها الرافض لنقطة التطبيع مع نظام بشار الأسد الذي يتوافق والمخططات التي تقودها إيران ضد المملكة من خلال تمويل الجبهة الانفصالية وتزويدها بالطائرات المسيرة "لتقويض الأمن والسلم في المنطقة".
ويرى حسن بلوان الخبير في العلاقات الدولية، أن وقوع سوريا تحت الوصاية الإيرانية المزعزعة للاستقرار العربي والمغاربي وتقاربها مع الجزائر هو الذي دفع المغرب إلى التعبير عن بعض التحفظات انسجاما مع مصالحه العليا المتعلقة بوحدته الترابية، وذلك على الرغم من كون المملكة لم تكن طرفا أساسيا في الهجوم على سوريا أو إشهار الفيتو على رجوعها إلى الحاضنة العربية، لافتا إلى أنه ومنذ أزمة الحرب في أوكرانيا تجري كثير من الرياح الدبلوماسية لإعادة ترتيب أوراق المنطقة العربية خاصة بعد الاتفاق الإيراني السعودي الذي انعكس على الأوضاع في اليمن ولبنان وسوريا والحديث عن إعادة هذه الأخيرة إلى جامعة الدول العربية في القمة المقررة بالسعودية في ماي المقبل بعد أزيد من عقد من العزلة والمقاطعة العربية ينذر بتحوّلات كبيرة على الخارطة السياسية في منطقة الشرق الأوسط.
بلوان، وفي تصريح خصّ به "الصحيفة"، سجّل وجود ثلاث محددات شكلت منطلق التحفظات المغربية اتجاه سوريا، أولها الانخراط في الإجماع العربي حفاظا على اللحمة العربية، ثانيها، ضرورة استجابة النظام السوري لآليات واضحة لحل الأزمة السورية على اعتبار أن أسباب المقاطعة العربية لازالت مستمرة، وثالثها -وهو الأهم- امتناع سوريا عن تغطية الأنشطة الإيرانية المزعزعة للاستقرار العربي واتخاذ موقف متوازن من قضية الوحدة الترابية المغربية.
وشكّك المتحدث في تفاصيل ونوايا التقارب السعودي الإيراني، ذلك أنه "يخفي وراءه مجموعة من التفاهمات الثنائية والإقليمية ومن بينها ضمان مصالح الدول الشقيقة، ومن بينها المغرب" مضيفا: "وما دامت السعودية الآن هي المحتضنة للقمة العربية المقبلة وتقود جهود استعادة سوريا لمقعدها في الجامعة العربية، فلابد وأن تحضر مجموعة من الشروط العربية تراعي مصالح الدول العربية ومن بينها المملكة المغربية".
وبخصوص الاتصال الهاتفي الذي جمع وزير الخارجية السعودي بنظيره المغربي ناصر بوريطة، قال الخبير في العلاقات الدولية، أنها "تأتي في هذا الإطار وناقشت سبل الوصول إلى حلول وسطى من أجل إنجاح القمة العربية ولمّ الشمل العربي وإرجاع سوريا إلى أجهزة ومؤسسات الجامعة العربية، والأهم هو إبعاد دولة سوريا عن النفوذ الإيراني وكنف الحرس الثوري المزعزع للاستقرار في المنطقة".
وشدّد المتحدث، على أن عودة العلاقات بين المغرب وسوريا مسألة وقت انسجاما مع مبادئ المملكة بالحفاظ على الإجماع العربي والمواقف المشتركة، مشيرا في الآن ذاته، إلى أن المغرب يشترط الحصول على ضمانات بعدم انخراط سوريا في الأجندات الإيرانية من جهة، وعدم تحول سوريا إلى صوت مزعج للمملكة ومصالحها العليا داخل أروقة الجامعة العربية كما تشتهي الجزائر التي تحاول جاهدة أن تعزل المملكة عن محيطها وعمقها العربي الوثيق.
واعتبر المحلل السياسي والخبير في العلاقات الدولية، أنه "مهما حاولت الدول العربية إعادة ترتيب أوراق المنطقة العربية، تبقى التوازنات العربية هشة ومرهونة بالتدخلات الاقليمية والدولية، كما أن أي تصعيد اسرائيلي إيراني سيعيد المنطقة إلى مرحلة الصفر، خاصة وأن الدول العربية لا زالت لم تنتقل إلى عمل عربي قوي وفعال بلم الشمل حقا وحقيقة وواقعا وليس مجرد شعارات مناسباتية تطل ربيع كل سنة وموعد للقمم العربية".
وكان الاجتماع التشاوري المعقد بجدة والذي عقد مساء أمس الجمعة، بحضور وزراء خارجية التعاون الخليجي ومصر والأردن قد دعا إلى ضرورة تكثيف الجهود المبذولة من طرف الحكومات العربية لتحقيق وحدة سوريا وإعادتها لمحيطها العربي، وحل الأزمة الإنسانية المرتبطة بوضعية اللاجئين والنازحين السوريين وتمكينهم من العودة لأوطانهم.
وأشار البيان الختامي، إلى أن الوزراء تشاورا وتبادلوا وجهات النظر كذلك حول الجهود المبذولة من أجل التوصل الى حل سياسي للأزمة السورية ينهي كافة تداعياتها ويحافظ على وحدة سوريا، وأمنها واستقرارها، وهويتها العربية، ويعيدها إلى محيطها العربي، بما يحقق الخير لشعبها الشقيق.
واتفق الوزراء على أهمية حل الأزمة الإنسانية، وتوفير البيئة المناسبة لوصول المساعدات لجميع المناطق في سوريا، وتهيئة الظروف اللازمة لعودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى مناطقهم، وإنهاء معاناتهم، وتمكينهم من العودة بأمان إلى وطنهم، واتخاذ المزيد من الإجراءات التي من شأنها المساهمة في استقرار الأوضاع في كامل الأراضي السورية.
ونبّه الوزراء إلى أهمية مكافحة الإرهاب بكافة أشكاله وتنظيماته، ومكافحة تهريب المخدرات والاتجار بها، وأهمية قيام مؤسسات الدولة بالحفاظ على سيادة سوريا على أراضيها لإنهاء تواجد الميليشيات المسلحة فيها، والتدخلات الخارجية في الشأن الداخلي السوري، مشددين على أن الحل السياسي هو الحل الوحيد للأزمة السورية، وأهمية أن يكون هناك دور قيادي عربي في الجهود الرامية لإنهاء الأزمة، ووضع الآليات اللازمة لهذا الدور، وتكثيف التشاور بين الدول العربية بما يكفل نجاح هذه الجهود.